الجمعة، 30 أكتوبر 2009

الشيخ سطام بن جضعان الطيار

توفى الشيخ جضعان الطيار شاباً. فخلف وراءه الطفل سطام ليتعهده عم والده الكهل الشيخ( صالح الطيار) الذي رزئ بشقيقيه" فندي"ومنور" وابن شقيقه" جضعان بن فندي" في وقت واحد توفى الشيخ صالح الطيار تنشئة الصغير سطام. بعد ان تركتهما الأقدار وحيدين من سلالة ممتدة وضاربة في أعماق التاريخ إلا ان الأقدار أبت أن تطيب للطفل الصغير وعمّه الكهل ففرقّت بين سطام وبين حنان عمه صالح الطيار باختطفته فأصبح الصغير سطام الطيار وحيداً لم تترك الاقدار أحداً من ذويه إلا وامتدت يدها بالموت .يتلفت حوله فلا يجد أباً ولا أخاً ولاعمّاً.سوى ابن عمه عبطان الطيار والذي لم يمهله القدر كثيراَ."ولايخفي مايعنيه ذلك شريعة الصحراء وأعرفها" ثم إن سطاماً نشأ يتيما في كنف الرجال من أبناء قبيلته. والذين برز منهم الشيخ محمد الدوخي وهو بحق أحد أفذاذ الصحراء وشجعانها وممن سجّل في تاريخ البادية صفحات ناصعة.إلا أن الظروف المحيطة بمحمد بن الدوخي أثناء قيادته لولد علي.لم تمكنه من تجنب الاصطدام مع ابناء عمومته قبيلة الرولة. كما أنه وفي اثناء قيادة محمد الدوخي لقبائل ولد علي كان لتلك القبائل موعد آخر مع ولاة العثمانين. وذلك هو التحدي الثاني للجيش التركي في بلاد الشام.ومن نفس الجهة التي سبق لها وأن خاصت معركة حاسمه مع الأتراك وأحلافهم بالاشتراك مع ابناء عمومتهم المنابهة ذلك أن جماعة من أسرة الخديوي في مصر ونتيجة لتردّي العلاقات مع الاستانة في تركيا .هربوا إلى داخل البوادي العربية . فأنقسم أفراد هذه الأسرة على قبائل عنزة طلباً للحماية لديهم من الأتراك.فما كان من محمد الدوخي إلا أن أجارهم كما أجار الشيخ سطام الشعلان شيخ الرولة قسماً منهم وبعد أن علمت الدولة العثمانية بوجود أسرة الخديوي لدي ولد على والرولة. أرسلت مندوباُ لكل من سطام الشعلان ومحمد بن دوخي أبن سمر فما كان من سطام الشعلان إلا المثول أمام عظمة دولة بني عثمان وإرساب من عنده.أما محمد بن الدوخي فقد أبلغ المندوب بأن المستجير لايسلم وباقٍ رجلاً من قبائل ولد علي فما كان من الدولة إلا أن جردت حملة قوية على قبائل ولد علي. وتلاقى الجمعان حيث دارت معركة طاحنة. ابيدت فيها كتيبة تركية كاملة مقابل حوالي مئة وخمسين رجلاً من ولد علي وأنهزم الجيش التركي شر هزيمة. ونتج عن ذلك الوالي التركي فاختار الوالي الجديد مهادنة"البدو" والعفو عمّن أجارتهم قبائل ولد علي حيث سمى محمد الدوخي على أثر ذلك "حريب الدول"


نشأة حربية بلاشك


وفي هذه الأجواء المضطربة والعلاقات المتوترة مع الدولة نشأ سطام بن جضعان الطيار وترعرع.وهي نشأة حربية بلاشك حيث كان يرى ويعايش ظروف الحرب والكر والفر. فرضع لبان الشجاعة والإباء بين قومه. الذين كانوا يولونه جل اهتمامهم واحترامهم وتقديرهم ولما بلغ مبلغ الرجال وأصبح شاباً في مقتبل شبابه. أخذ الشيخ سطام الطيار يشارك قومه في أيامهم وحروبهم فلمس به الجميع ما أثلج صدورهم.وقد نتهج رجال قبائل ولد علي منهاجاً جديداً وهو أن يجتمعون ليلة في مجلس الشاب سطام. وليلة في مجلس محمد الدوخي متعاضدين متكاتفين لايعكر صفو وحدتهم معكر إلى أن حدثت حادثة كان أثرها البعيد ذلك أن احد كبار السن من آل منصور الطيار"والذين كانوا حتى ذلك الحين في نجد والحجاز ولم يبرحوها" وهو جروان الطيار" وقد جاء زائر قومه في الشمال ومتفقداً أحوال الشاب سطام الطيار وكان برفقته أحد أبناء قبيلة الشرارات وعند وصوله إلى مضارب قومه وكان القوم يتسامرون في مجلس محمد الدوخي في تلك الليل. وسطام الطيار متصدراً المجلس محتفياً بضيفه. وخرج محمد بن الدوخي لأمر خاص وأثناء خروجه لفت نظره ناقة الشراري رفيق جروان الطيار وعليها وسم الشرارات ويبدو ان الناقة كانت مصابة بشئ من الجرب فضربها في اثناء خروجه بعصاه آمراً الرجال بإبعادها عن باقي الركائب حتى لاتصيبها بالعدوى. وما أن رأى جروان الطيار ماكان من أمر ناقة رفيقه. حتى أثاره ذلك فما كان يأماه هو أن تعامل ذلول رفيقه الضيف برفق. فأرتجل ابياتاً من الشعر قسمت المجلس الى مجموعتين. والقوم إلى قومين وأثارت حفيظة الشيخ سطام الطيار ومنها قوله




واناقةٍ تسوالها عشر أنايق***صالوا عليها محرقين المحاميس


لقيت عقب "ذريّ" ماهم لفايق***غدوا عليكم "يالمفرج" دواويش


حصنٍ نومّيروسها بالعلايف**وانتم غديتوا عندهم بالمناخيس






زعل سطام الطيار على بن أسمير


فخرج سطام الطيار من المجلس في ثورة غضب عارمة,وخرج معه من حضر من ضنا مفرج من قبائل ولد علي وبعص"ضنا ذري" ثم ذهب إلى مجلسه عند ذلك أدرك محمد الدوخي فداحة الأمر.وخطورة الموقف المتأزمويبعد نظره الذي عرف عنه وهو الرجل الذي عجمته السنون بالتجارب.أخذ يخطط لإصلاح الموقف من فوره بأرسل على الفور من يسبرله الغور ماذا يدبر الرجال في مجلس سطام وحين عاد الرجل الذي أرسله. أخبره بأنه رأي رجالاً كأنه يعرفهم لأول مرة.فقد كان كل رجل منهم ملثماً وقد عرف كل منهم بجواره فقط.وقط أطفئت النيران فلا يميز أحد غير من يليه وكان كل إثنين يخرجان لبرهة يتناجيان ثم يعودان إلى حيث مكانهما عند ذلك أدرك محمد الدوخي أن الامر يسير في اتجاه نزاع مسلّح وقتال يفني به كل طرف شوكة صاحبه. الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى انقضاض من يتحين بقبائل ولد علي الفرص يذهب ريح هذه القبائل إلى غير رجعه فما كان منه إلا أن وضع عبائته على كتفيه وتلثم.وتوجه إلى مجلس الشيخ سطام الطيار وأنتهى الى حيث يجلس جروان الطيار ورفيقه فحسر لثمته واعتذر لهم ولسطام الطيار مستحلفاً إياهم إلا أن يتجاوزوا ماحصل فانفجرت على أثر ذلك الأزمة وقضى عليها في مهدها ألا أن الأزمة أبت إلا أن يترك آثارها ففي ربيع ذلك العام أمر الشيخ سطام بالمسير إلى بوادي العراق فسار ببعض قبائل ولد علي وبقى محمد الدوخي مع بعض قبائل ولد علي.. وأمضى في مرباعه بقية عامه ذاك.ثم إن رجلاً قيل أنه من جبارة ولد علي تمنى أن يعود الشمل ملتئماً كما كان في السابف فوجّه قصيدة للشيخ محمد بن الدوخي أبن سمير جاء منها:






ياراكبين من الرها أجواز وافراد*****ماتركبوني للركايب دليله
يمشن من الفجر للصبح مدّاد******والعصر يكتّن مع رسوم الجديله
يلفن على محمد ترثة الأجواد*****الشيخ كساب الـــــــثنا والنفيله
الشيخ تاه وتيتة الشيخ بعناد****عقل خفيف الزمل وأطلق ثقيله


سطام مع عبطان ملحٍ على زاد****صيارم يخلون سرج الأصيله
إلا وان ضربوا على شرز ملكاد***سوٍ على اللي خشته مسزيله
وإن اوقدوا في ضدهم نار وزناد***باعوه بيعٍ ماخبرنا مثيله


ترى الرفاقه مثل صابون بفواد***مثل المصاري وسط كيسك تشيله






وفاة سطام الطيار


وبعد مدة من الزمن كان للشيخ سطام الطيار موعد مع القدر. فبينما كان القوم يستعدون لتوديع يوم هادئ مضى . والشمس تبعث برر خيوطها مودعه وإذت بصوت نذير "مجهول" يعلن بأن غزواُ قد أطلبق على الإبل فما كان منهم إلا وقد إعتلى منهم صهوة جواده وامتشق سلاحه وعلى رأسهم الشيخ سطام الطيار فلما وصلوا إلى حيث الأبل وجدوا بأن كل شي على وضعه المعتاد!! وأن الابل لاتزال في مكانها المعهود!! واستفسروا من الرعاة فأخبروهم بأن الوضع طبيعي وأثناء تبادلهم الحديث مع الرعاة إذا بعيار ناري يتطلق من بين الأبل في الظلام الدامس ليصيب الشيخ سطام الطيار بمقتل ليسقط رحمه الله مغدوراً في ظروف لاتزال حتى اليوم غامضة وذلك عام 1899 ميلادي وقد ذهب الناس مذاهب كثيرة فيمن يكون قاتل الشيخ سطام الطيار ومن ذلك ما أشار إلى المستشرف التشيكي "موزيل MUSIL في كتابه صحراء العرب من أن "الدروز هم من اغتال الشيخ سطام الطيار وذهب غيره إلى غير ذلك ولاتزال هذه القضية يلفضها الغموض وموضوع يطرح بين الحين والآخر كمادة للمجالس . إلا أن ما نذهب إليه هنا هو أن الدروز" على الرغم من فتك سطام الطيار بهم في مناسبات كثيرة وحرمانه لهم من النزول من جبلهم" لايمكن أن يجرؤوا على اقتراف عملٍ كهذا لعلمهم أن عواقب ذلك ستكون وخيمة عليهم ثم إنهم هادنوا سطام الطيار وقبائل ولد علي كما أن هناك قوى جديد ظهرت على الساحة قد تكون لها المصلحة في إزاحة الشيخ سطام الطيار وأياًكان الأمر فقد قتل يرحمه الله غدراً بعد أن حيكت عليه مؤامرة,وسيبقى غموض ذلك الحادث باقياً وعلمه عند الله . فقد دفن في صدور من يعلمون أسراره..والذين هم بدورهم دفنوا تحت الثرى




زوجة سطام خزنه الملحم ترثي سطاماً




البارحة جريّت بالصدر ونات***** والنوم عيّا لا يهملج قليله
ياعين لاتبكين كثرة وقـــــلات****وأبكي على اللي كاسبين النفيله
أبكي على سطام زبن الونيات*****يا لولب الحكام كلٍ يجيـــــــه
إبكي العديم اللي مع الناس مامات***مرباع "وايل"بالسنين المحيله
إبكي ذعار الخيل وان صار شدّات***زيزوم جيشه بالليالي الجليله


وإبكي على محمد حصان المهمات****هو بيرق الفرسان وشهاب ليله
يالله يا ناهض سبع السماوات****يارافع شدّات من يلتجيله
تخلي لنا واحد فيه هقوات****سلطان نور العين تالي السليله
يبني بيوت العز من عقب مافات***الله كريم وكلنا نشتكيلــه
عقب الرجال أهل الفعول القديمات****شيخان وايل من سنينٍ طويله
يجبر عزانا في عظيم المصيبات***يوم المقدّر مالنا فيه حيله


سلطان بن سطام الطيار


وقد ترك الشيخ سطام الطيار ثروة هائلة لابنه سلطان سرعان ماتبددت قبل أن يشب عن الطوق"فقد كانت أملاكه تمتد من الحجاز وحتى بلاد الشام وتشمل نخيل خيبر في الحجاز والتي هي إرثه منذ القرن الثاني الهجري ومنطقة كاف بالقرب من القريات وبعض النخيل في منطقة الجوف وعدد من القرى المحيطة بمدينة حمص في بلاد الشام ومناطق البطمي والمشقّ والضبعة الشاسعة شرقى دمشق وآبار منطقة الطيارية جنوب تدمر بالإضافة لما يملكه أي بدوي تقليدياً من لإبل ومواشي ,وقد تحدث عن ذلك المستشرق"موزيل:في كتابه فقد كان معاصراُ لتلك الاحداث فقد اقام لدي الطيار لفترة أثناء تجواله في البادية.ونقتطف هنا فقرات من كتاب " صحراء العرب" وهي مشاهدات جاء فيها مانصّه:

"لم يتبقّ من أسرة الطيار إلا سلطان بن سطام الطيار الذي كان يبلغ السادسة من العمر"عندما قتل والده"وقد تزوجت والدته الشيخ محمد بن دوخي بن أسمير انا الصغير سلطان بن سطام الطيار فقد ترك برعاية العبد المسنّ خلف وفي مرحلة لاحقة أقاموا خيامهم في "عذرا" وعندما بلغ الثانية عشرة من عمره تزوج"قطنة" ثم بعد سنتين تزوج"رفعة"والتي كانت تكبره سناً فأنجبت له فتاتين"الجازي " و"سكره"ثم طلق "قطنه"فقد كان يحب رفعة كثيراً إلا انه كان يشعر با الأسف لعدم إنجابها ابناً يحمل اسمه..والده سطام الطيار زعيم قبائل ولد علي كان أثرى أثريا البادية. كان يمتلك العديد من القرى حول مدينة "حمص" وقطعان لاتحصى من الاغنام والمواشي والأبل وبعد وفاة والدة قام عدد من سكان حمص. وعن طريق الرشاوي لموظفي الدولة بتحويل ملكية القرى إلى اسمائهم أما قطعان الماشية فقد تناقصت كثيراً وبعد فترة ترك ماتبقى منها لسطان .وقد كان الشيخ سلطان يستلم من الحكومة التركية(280) جنيهاً تركيا أي مايعادل (1260$) دولار امريكي وذلك نظير حمايته للحجاج أما عائلة الطيار فتتمتع بأعلى إحترام عبر صحراء العرب قاطبة وتعتبر في المقام الأول ولها الأهمية الأولى وقد اشتهرت بأنها من أسخي وأكرم الأسر"وهكذا كانت الظروف التي اكتنفت بداية حياة الشيخ سلطان الطيار. فقد كان وارثاً لأموال طائلة قروة هائلة تركها له والده إلا انها لم تصل إليه فقد تناهبها ذوو الأطماع بلا حول له ولاقوة وهو الطفل ذو ست السنوات والذي عاش طفولته بعيداً عن ميراثه"خوفاً عليه من شئ مجهول" إلا ان هذا الطفل كان له في السنين التالية شأن كبير ترتبه له الأقدار ودور عظيم في الحياة السياسية فلى امتداد المشرق العربي.وعلى رغم ماوثق في كتب التاريخ التي تناولت أحداث المنطقة من دورٍ للشيخ سلطان السطام الطيار إلا أن تلك الكتب لم توفه حقه وبذلك يكون قد ظلم مرتين فقد ظلم صغيراً في الجانب المادي.وظلم كبيراً في الجانب المعنوي.


(جميع الحقوق محفوظة مدونة الكاتب فاصل تاريخي)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق